شباب الجنوب: غريبون عن بيروت حتى يألفوا الحياة فيها
صفحة 1 من اصل 1
شباب الجنوب: غريبون عن بيروت حتى يألفوا الحياة فيها
نسرين عجب من بيروت: بعد ثماني سنوات على إندحار الإحتلال الاسرائيلي، ما عاد أبناء الجنوب بحاجة إلى تصريح عسكري ليعبروا إلى جامعاتهم، ولكنهم ما زالوا بحاجة إلى تصريح نفسي يؤهلهم التأقلم مع الأجواء الجديدة عليهم في بيروت. الفارق كبير بين أجواء الحرية والانفتاح والعملانية التي تميز العاصمة، وبين المحافظة والالفة اللتين تتسم بهم القرى. لكن المنطقة تفتقر للجامعات وهم شاؤوا أم أبوا مجبرون على تكبد عناء المسافات الطويلة والاعتماد على أنفسهم في اختبار بيروت وحدهم، بعيدًا عن أهلهم.
الساعة الخامسة فجرًا، السكون يخيم على المكان في ما عدى هدير سيارة الأجرة التي تنتظر سليم. عانق أمه وحمل أغراضه الكثير وخرج من منزله في كفرشوبا وفي أذنيه صوت أمه "انتبه لنفسك، الله يكون معك"، وفي قلبه خوف من أفكار تتضارب في ذهنه، "أتوجه الى منطقة لا أعرف فيها أحدًا، كيف سأعيش؟" يسأل نفسه ويعود ويهدئها، "لكن الشباب الذين سأعيش معهم من بلدتي".
"سائقو التاكسي يخطفون ويقتلون"
يبدو أن هواجس كثيرة تجتاح أفكار الشباب عندما يحين موعد الانتقال الى بيروت. "كنت أفكر في ما يقوله البعض ان سائقي التاكسي في بيروت يخطفون ويقتلون"، تقول ريهام هازئة، وتتابع: "لكني كنت أراها راقية، وانتظرت انتقالي اليها بفارغ الصبر. واذا كان والد ريهام منفتحاً وأرسل احدى بناته للتخصص في أميركا فوالد الحان لا يتقبل فكرة سكنها في بيروت، مما دفعها الى تسجيل اختصاص لا يحتاج الى حضور، مع أنها ليست مقتنعة به.
وعلى الرغم من أن بيروت شكلت فسحة حرية للشباب الجنوبيين النازحين اليها، الا أنها تركت أثراً سلبياً في نفوسهم. "نزلنا الى بيروت على اعتبار أن الأجواء مسلية فيها لكن صدمنا بأن الالفة والمحبة التي اعتدنا عليها في قريتنا ليست موجودة اطلاقاً في بيروت حيث كل شخص بحاله"، تعلق نيفين متأففة.
ويعتبر شباب الشريط المحرر أن بيروت تتطلب منهم بعض التنازلات عن عاداتهم وتقاليدهم ليتماشوا مع أجوائها. ويشرح فراس:" الحياة في بيروت تختلف كلياً عن الحياة في القرى، وكي نعيش في بيروت يجب أن نضع الكثير من عاداتنا وتقاليدنا جانباً، مع رفضي القاطع للتخلي عن قيمي".
"بعيد عن عين أمه يجب أن يعتمد على نفسه"، واقع جديد ألفوه في مساكنهم الشبابية. "أبسط الأشياء، أمي كانت ترتب سريري في المنزل، أما في مساكن الطلاب فإذا لم أرتبه يبقى اسبوعاً على حاله"، تقول ميسم مازحة. أما نيفين فتعيش معاناة: "أعيش مع اخوتي وأصبحت أنا الطباخة لهم". من جهتها، تقول ريهام ضاحكة: "أمي الدعم الأساسي، واذا نفد، تمدني به أختي التي تعيش على مقربة مني". وبين أكل الأم وأكل البنت يعتمد قسم كبير من الشباب على الوجبات السريعة من المطاعم.
وفي موازاة غيابهم القسري عن منازلهم، يزداد تعلقهم بأهلهم. وتفسّر ميسم: "قويت علاقتي بهم كثيراً، وتبلور الاحترام بيننا بعد أن أصبحت قادرة على اتخاذ القرارات الخاصة بي".
حواجز... تكسرت
أجمع الشباب على صعوبة موافقهم في بداية علاقتهم بالآخر، ابن بيروت، والانفتاح على أفكاره. وتقول ريهام: "أول ما سجلت مسرح في الجامعة كان الطلاب يطلقون عليّ لقب المعقدة". ولكن الوقت كان كفيلاً في بلورة صورة هذا الآخر،"أما الآن فاعتدت عليهم واعتادوا عليّ، وتقبل أحدنا الآخر".
وبما أن الجامعات مسرحاً للاحزاب السياسية، توفرت للشباب فرصة للتعرف على مبادىء الأحزاب السائدة. "كنا نجهل مفاهيمها وخلق ذلك حاجزاً بيننا في البداية"، يشرح فراس. ويتابع: "لكن تجاربنا مع بعض الأصدقاء واطلاعنا على أحزابهم قرّب المسافات بيننا". لكن تقبلهم للآخر لا يعني انخراطهم في حزبه. ويؤكد محمد: "مازالت توجهاتي السياسية هي نفسها ولم تتغير".
خبروا التجربة، واختلفت آراؤهم حولها، ففي الوقت الذي يتلهف سليم لانتهائها، الف محمد الأجواء: "في البداية فرضت عليّ الحياة في بيروت لكنني تكيفت معها، والآن تعجبني". والجميع متفق أن التجربة ساهمت في بناء شخصياتهم المسؤولة. وتشدد ميسم "تعلمت أن أعتمد على نفسي". كما خلقت عندهم حافزاً للانصهار الوطني. ويؤكد علي: "قدمت لي فرصة التعرف على الآخر المختلف عني سواء بالدين أو التوجهات السياسية أو حتى طريقة التفكير، ومصادقته". الا أنهم يجمعون على تفضيل قراهم على بيروت. وعلى ما يبدو أن أكثر ما يشدهم الى هذه المنطقة التي تبعد ثلاث أو أربع ساعات عن بيروت "الحنين والشوق"، بحسب سليم. وعند سؤلهم والانتماء لمن؟ يجمعون أنه للجنوب.
في المحصلة، يبدو أن شباب المنطقة المحررة قيموا بيروت وحددوا خياراتهم فيها. يبقى رأي شباب بيروت فيهم، ولكن هذه اشكالية أخرى، وبصرف النظر عن فرضياتها، يبدو الثابت أنهم مختلفون.
الساعة الخامسة فجرًا، السكون يخيم على المكان في ما عدى هدير سيارة الأجرة التي تنتظر سليم. عانق أمه وحمل أغراضه الكثير وخرج من منزله في كفرشوبا وفي أذنيه صوت أمه "انتبه لنفسك، الله يكون معك"، وفي قلبه خوف من أفكار تتضارب في ذهنه، "أتوجه الى منطقة لا أعرف فيها أحدًا، كيف سأعيش؟" يسأل نفسه ويعود ويهدئها، "لكن الشباب الذين سأعيش معهم من بلدتي".
"سائقو التاكسي يخطفون ويقتلون"
يبدو أن هواجس كثيرة تجتاح أفكار الشباب عندما يحين موعد الانتقال الى بيروت. "كنت أفكر في ما يقوله البعض ان سائقي التاكسي في بيروت يخطفون ويقتلون"، تقول ريهام هازئة، وتتابع: "لكني كنت أراها راقية، وانتظرت انتقالي اليها بفارغ الصبر. واذا كان والد ريهام منفتحاً وأرسل احدى بناته للتخصص في أميركا فوالد الحان لا يتقبل فكرة سكنها في بيروت، مما دفعها الى تسجيل اختصاص لا يحتاج الى حضور، مع أنها ليست مقتنعة به.
وعلى الرغم من أن بيروت شكلت فسحة حرية للشباب الجنوبيين النازحين اليها، الا أنها تركت أثراً سلبياً في نفوسهم. "نزلنا الى بيروت على اعتبار أن الأجواء مسلية فيها لكن صدمنا بأن الالفة والمحبة التي اعتدنا عليها في قريتنا ليست موجودة اطلاقاً في بيروت حيث كل شخص بحاله"، تعلق نيفين متأففة.
ويعتبر شباب الشريط المحرر أن بيروت تتطلب منهم بعض التنازلات عن عاداتهم وتقاليدهم ليتماشوا مع أجوائها. ويشرح فراس:" الحياة في بيروت تختلف كلياً عن الحياة في القرى، وكي نعيش في بيروت يجب أن نضع الكثير من عاداتنا وتقاليدنا جانباً، مع رفضي القاطع للتخلي عن قيمي".
"بعيد عن عين أمه يجب أن يعتمد على نفسه"، واقع جديد ألفوه في مساكنهم الشبابية. "أبسط الأشياء، أمي كانت ترتب سريري في المنزل، أما في مساكن الطلاب فإذا لم أرتبه يبقى اسبوعاً على حاله"، تقول ميسم مازحة. أما نيفين فتعيش معاناة: "أعيش مع اخوتي وأصبحت أنا الطباخة لهم". من جهتها، تقول ريهام ضاحكة: "أمي الدعم الأساسي، واذا نفد، تمدني به أختي التي تعيش على مقربة مني". وبين أكل الأم وأكل البنت يعتمد قسم كبير من الشباب على الوجبات السريعة من المطاعم.
وفي موازاة غيابهم القسري عن منازلهم، يزداد تعلقهم بأهلهم. وتفسّر ميسم: "قويت علاقتي بهم كثيراً، وتبلور الاحترام بيننا بعد أن أصبحت قادرة على اتخاذ القرارات الخاصة بي".
حواجز... تكسرت
أجمع الشباب على صعوبة موافقهم في بداية علاقتهم بالآخر، ابن بيروت، والانفتاح على أفكاره. وتقول ريهام: "أول ما سجلت مسرح في الجامعة كان الطلاب يطلقون عليّ لقب المعقدة". ولكن الوقت كان كفيلاً في بلورة صورة هذا الآخر،"أما الآن فاعتدت عليهم واعتادوا عليّ، وتقبل أحدنا الآخر".
وبما أن الجامعات مسرحاً للاحزاب السياسية، توفرت للشباب فرصة للتعرف على مبادىء الأحزاب السائدة. "كنا نجهل مفاهيمها وخلق ذلك حاجزاً بيننا في البداية"، يشرح فراس. ويتابع: "لكن تجاربنا مع بعض الأصدقاء واطلاعنا على أحزابهم قرّب المسافات بيننا". لكن تقبلهم للآخر لا يعني انخراطهم في حزبه. ويؤكد محمد: "مازالت توجهاتي السياسية هي نفسها ولم تتغير".
خبروا التجربة، واختلفت آراؤهم حولها، ففي الوقت الذي يتلهف سليم لانتهائها، الف محمد الأجواء: "في البداية فرضت عليّ الحياة في بيروت لكنني تكيفت معها، والآن تعجبني". والجميع متفق أن التجربة ساهمت في بناء شخصياتهم المسؤولة. وتشدد ميسم "تعلمت أن أعتمد على نفسي". كما خلقت عندهم حافزاً للانصهار الوطني. ويؤكد علي: "قدمت لي فرصة التعرف على الآخر المختلف عني سواء بالدين أو التوجهات السياسية أو حتى طريقة التفكير، ومصادقته". الا أنهم يجمعون على تفضيل قراهم على بيروت. وعلى ما يبدو أن أكثر ما يشدهم الى هذه المنطقة التي تبعد ثلاث أو أربع ساعات عن بيروت "الحنين والشوق"، بحسب سليم. وعند سؤلهم والانتماء لمن؟ يجمعون أنه للجنوب.
في المحصلة، يبدو أن شباب المنطقة المحررة قيموا بيروت وحددوا خياراتهم فيها. يبقى رأي شباب بيروت فيهم، ولكن هذه اشكالية أخرى، وبصرف النظر عن فرضياتها، يبدو الثابت أنهم مختلفون.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى